الخميس، 10 يناير 2013

المكالمة القاتلة ..

***

إبان الحرب الأمريكية في فيتنام، رن جرس الهاتف في منزل من منازل أحياء كاليفورنيا الهادئة، كان المنزل لزوجين عجوزين لهما ابن واحد مجند في الجيش الأمريكي، كان القلق يغمرهما على ابنهما الوحيد، يصليان لأجله باستمرار، وما إن رن جرس الهاتف حتى تسابق الزوجان لتلقى المكالمة في شوق وقلق.


الأب: هالو... من المتحدث؟


الطرف الثاني: أبي، إنه أنا كلارك، كيف حالك يا والدي العزيز؟

الأب: كيف حالك يا بني، متى ستعود؟ الأم: هل أنت بخير؟ كلارك: نعم أنا بخير، وقد عدت منذ يومين فقط. الأب: حقا، ومتى ستعود للبيت؟ أنا وأمك نشتاق إليك كثيرا. كلارك: لا أستطيع الآن يا أبي، فإن معي صديق فقد ذراعيه وقدمه اليمنى في الحرب وبالكاد يتحرك ويتكلم، هل أستطيع أن أحضره معي يا أبي؟ الأب: تحضره معك!؟ كلارك: نعم، أنا لا أستطيع أن أتركه، وهو يخشى أن يرجع لأهله بهذه الصورة، ولا يقدر على مواجهتهم، إنه يتساءل: هل يا ترى سيقبلونه على هذا الحال أم سيكون عبئا وعالة عليهم؟ الأب: يا بني، مالك وماله اتركه لحاله، دع الأمر للمستشفى ليتولاه، ولكن أن تحضره معك، فهذا مستحيل، من سيخدمه؟ أنت تقول إنه فقد ذراعيه وقدمه اليمنى، سيكون عاله علينا، من سيستطيع أن يعيش معه؟ كلارك... هل مازلت تسمعني يا بني؟ لماذا لا ترد؟

كلارك: أنا أسمعك يا أبي هل هذا هو قرارك الأخير؟ الأب: نعم يا بني، اتصل بأحد من عائلته ليأتي ويتسلمه ودع الأمر لهم. كلارك: ولكن هل تظن يا أبي أن أحداً من عائلته سيقبله عنده هكذا؟ الأب: لا أظن يا ولدي، لا أحد يقدر أن يتحمل مثل هذا العبء! كلارك: لا بد أن أذهب الآن وداعا

وبعد يومين من المحادثة، إنتشلت القوات البحرية جثة المجند كلارك من مياه خليج كاليفورنيا بعد أن استطاع الهرب من مستشفى القوات الأمريكية وانتحر من فوق إحدى الجسور!. دعي الأب لاستلام جثة ولده... وكم كانت دهشته عندما وجد جثة الابن بلا ذراعين ولا قدم يمنى، فأخبره الطبيب أنه فقد ذراعيه وقدمه في الحرب! عندها فقط فهم! لم يكن صديق ابنه هذا سوى الابن ذاته (كلارك) الذي أراد أن يعرف موقف الأبوين من إعاقته قبل أن يسافر إليهم ويريهم نفسه.


إن الأب في هذه القصة يشبه الكثيرين منا، ربما من السهل علينا أن نحب مجموعة من حولنا دون غيرهم لأنهم ظرفاء أو لأن شكلهم جميل، ولكننا لا نستطيع أن نحب أبدا "غير الكاملين" سواء أكان عدم الكمال في الشكل أو في الطبع أو في التصرفات.

ليتنا نقبل كل واحد على نقصه متذكرين دائما إننا نحن، أيضا، لنا نقصنا، وإنه لا أحد كامل مهما بدا عكس ذلك


***


تلك هى القصة .. منتهى الصدفة أن قابلتها على إحدى صفحات الفيس بوك

لم أكن حتى مشتركة فى تلك الصفحة التى قامت بنشرها

وجدتها فى نفس اللحظة , ثم أرسلتها و نشرتها للجميع

القصة تحمل فى ثناياها الكثير و الكثير

بمن أبدا ؟!

بتلك الأم الثكلى التى ربما تراودها فكرة التخلص من زوجها , لأنه إستقبل المكالمة الهاتفية تلك ؟!
لو أنها تلقتها لكانت رحبت بإبنها و صديقه العاجز ..
لم يكن إبنها ليلق بنفسه فى مياه المحيط .. و كأنه يخبر الجميع

مياه البحر بى أرحم من " عشيرتى " !!

كانت لتخدمه و ترعاه و تسهر عليه

هكذا هن الأمهات ..

دائماً ما كنت أردد فى مواقف كثيرة .. أن الأمومة بالغريزة أما الأبوة إكتساب

و أنا للأسف أعيش فى مجتمع لا يسمح بإكتسابات مهارات رفيعة المستوى كتلك ..
أنا أعيش فى مجتمع لا تمارس فيه الأبوة كما ينبغى أن تكون


عودة للقصة

تلك الجارة .. اللتى ستصب لعناتها على الأب كلما فتحت بابها لتخرج أكياس القمامة كل صباح

ستنظر إلى مكان جلوسه فى الشرفه .. حتى و إن لم يكن هناك ..

و ستصب جام غضبها على قاسى القلب الذى لم يرأف بحال إبنه العاجز !!


هل ستكون البلدة كلها كتلك الجارة المتربصة ؟!

أم سيكون فيهم من تأخذه شفقة على الأب البائس .. الذى لم يدرك أن كلماته .. و هى مجرد كلمات أرسلها عبر الأثير .. قتلت إبنه عمداً

فقط لم يدرك !!
لم يستوعب .. لم يكن فى مزاج جيد لإستقبال الضيوف !!

أتعجب .. هل الكلمات تقتل ؟!
حسناً .. لقد فعلت ما هو أسوء

دفعت ذلك البطل .. للإنتحار

لا أعلم إنه كان لبطل القصة زوجة و أطفال أم أنه كان أعزب حتى وافته المنية

ترى أحمدت ربها سراً بين دموعها .. ان كان الأمر من طرف والده ليخلصها من شقاء عمر كامل ؟!

ففى كثير من الأحوال .. ستظن الزوجة أن حياتها كأرملة أفضل من إستمرارها فى خدمة رجل عاجز !

أم ستتعامل مع الأمر كزوجة مصرية أصيلة .. لا تتخلى عن زوجها .. حتى بعد مماته !!

قد رأيت الكثير من السيدات فى هذا المجتمع .. يتعلقن بأزوجهن المتوفىين و يخلصن لهم و كأنهم سيعودن لهن فى نهاية الإسبوع بعد غياب  سفر طويل !!


يبقى هنا حال الأب ..
كم سيسهر باكياً تلك اللحظة اللتى قتل فيها إبنه ؟

أفى الأرض كلها ندماً يكفيه عن إلتقاط سماعة الهاتف يومها .. ؟!

أسيصيبه الجنون ؟!

لو أنه كان فى مجتمعنا .. لربما عاد إلى الله و أصبح من المشايخ و المباركين !!

هكذا نحن دائماً نمجد أصحاب المآسى و كأنه نوع من العوض المعنوى

لا يمكننى أن أقول أن الأب كان كارها لولده .. الأمر ليس منطقى على الإطلاق
لكن خلاصة الأمر ..

أن نتعلم كيف نحب , و أن نحرص على كلامتنا ..
إن لم يكن حرصاً على مشاعر الأخرين ..
فليكن خوفاً من الفقد
فليكن خوفاً من لسان الجارة المستبدة 


***

الصورة مش لايقة ؟ :(
نفسى مرة الاقى الصورة اللى عاجبانى .. 

بدور على صورة فى وقت أطول من اللى بكتب فيه ! :S